الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونصلي ونسلم على أشرف خلقه، سيدنا محمد _ صلى الله عليه وسلم_ صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين عليک سيدي يا رسول الله، ما مشى فوق الأرض ساعٍ، وما دعى إلى الحق والخير داعٍ. وبعدُ فإنّ ظاهرة الاستغناء من أهم الظواهر في الدرس الصرفي؛ إذ کثيراً ما تقوم لفظة مقام لفظة، أو يستغنى بمصطلح عن مصطلح، أو بنية عن أخرى، وغير ذلک من التغيرات التي تواکب البنية الصرفية، وما يحدث داخلها أويعرض لها من تغييرٍ ونحوه؛ مما دفعني إلى الوقوف أمام هذه الظاهرة في الدرس الصرفي، وما تثبته هذه الظاهرة من قدرة اللغة على التجدد والتطور، وما تشکله من صورةٍ فريدةٍ، وظاهرةٍ عجيبةٍ في لغتنا العربية وفي درسها الصرفي، ولمَ لا، وهي منبئةٌ عن اتساع اللغة وقدرتها التعبيرية التي لا تتوقف على لفظة أو بنية ، وهذا يدلُّ على أنها لا تعاني من الجمود، ولا تفتقر إلى الاتساع البنائي واللفظي، وإنما يؤثّر فيها قدرة المتحدث على تجديد عباراته وتطوير مصطلحاته، واستحداث أبنيته، وخلق مفردات ومرادفات جديدة في الأبنية والتعبيرات بما تمتلکه اللغة من أبنية ، وما يحوزه معجمها من کلمات ؛ بما ينبئ عن اتساعها وطواعيتها ودقة تعبيراتها وعلو کعبها، واطراد قواعدها. على أننا نرى کثيراً من الکتابات التي تتهم اللغة بالجمود وتسمها بالتخلف وتصفها بالضعف والفتور، وما فتئ أصحاب هذه المقولات وأضرابهم يخرجون علينا بآراء لا تدل إلا على ضعفهم الفکري وهزلاهم العلمي؛ إذ الجمود الذي يتحدثون عنه ينتفي بدراسة هذه الظواهر التي تدل على قدرة اللغة على التطور والتجديد؛ إذ اللغة لا تتوقف على مصطلح أو کلمة وإنما تغير نفسها وتجدد ذاتها حسبما يستجد من المعاني والمفردات والمرادفات التي يمتلکها الإنسان في تعبيراته وکلماته، وأصدق مثال على ذلک عدول اللغة عن: وذر وودع إلى ترکـ وميلهم في الجموع إلى جمع قد يکون مخالفاً لما عليه قواعدهم واستعمالاتهم، مثل جمعثوب على أثوب، ونظائر ذلک کثير في کلامهم وأبنيتهم. أثبتت ظاهرة الاستغناء أن القاعدة اللغوية جاءت موافقة لاستعمال العربي واصفة للغة التي ينطق بها ضابطة للمعيارية التي اختارها في أصوله وبنى عليها أحکامه التي توافق لغته.