شِعْرُ التفعيلة الحديث ومَحَلُّهُ مِن الشِّعْر العربيّ بِمَفْهومِهِ المجرَّد

نوع المستند : المقالة الأصلية

المستخلص

وبَعْدُ، فَشِعْرُ التفعيلة صورةٌ جُزئيّةٌ مصغَّرةٌ من الشِّعر العموديّ، ولَعَلَّ الأقربَ أن يُعَدَّ مِن الشِّعْرِ العَمُوديِّ "المعدَّلِ وِرَاثيًّا" –کما هو التعبير الشائع في عَصْرِنا؛ فهو لم يَنْقَطِع بمادَّتِهِ عن موسيقى الشِّعْر العربيِّ التقليديِّ، وَزْنًا وقافيةً، وإنما هو کالثَّمَرةِ التي يَعْمَلُ عُلَماءُ الوِرَاثِيَّاتِ (genetics) على تَعْدِيلِها فَتَکْتَسِبُ خصائصَ لم تُؤْلَفْ قديمًا، ولکنَّها تَفْقِدُ طَرَفًا صالحًا مِنْ مَزَاياها الأَصِيلة. فَشِعْرُ التفعيلة إذًا کَمَفْهومِهِ الثَّابِتِ عِندَنا في عَصْرِنا هذا: شِعْرٌ عربيٌّ لکنّه حديثُ الطِّرَازِ، قَشِيْبُ الهيئة، وهو أَشْبَهُ بِالوَلِيدِ لا تَتَبَيَّنُ في قَسَمَاته شَبَهَ أبيهِ ومَلامِحَ أَجْدادِهِ، ثُمّ تُنْعِمُ النَّظَرَ وتُدِقُّ الفَحْصَ فَتُدْرِکُ وُجُودَها وإنْ  لم تَکُنْ مِن الظُّهُور بحيث لا يَتَطرَّقُ الشّکُّ إلى ذلک.
ولـَمَّا کانت الحالُ کذلک، کان لـِهذا الضَّرْبِ مِن الشِّعْرِ عَرُوضٌ مجتَزَأٌ، مُنْتَزَعٌ مِنْ أَصْلِهِ القديم، يجري على سَنَنِهِ في الخطأ والصَّوابِ، وِفَاقًا لـِمَقايِيسِ الذَّوقِ العربيّ، فکأنّما هو إِسْقاطٌ ((projection لذلک العَرُوضِ الخليليّ على هذا النَّمَطِ الـمُسْتَحْدَثِ الـمُبَدَّلِ الـمُعَدَّل. وفي الجملة، فالخطأ في الأوَّل خطأٌ في الآخَر، إلا ما زال عنه خُصُوصُ مَحَلِّهِ، کالعَروضِ الجُزْءِ، فإنَّه يَخْرُجُ عَنْ مفهوم الخَطَأ الحاصل إذَا ما خَلَطَ الشاعِرُ بَيْنَ الأعاريض.